وظائف و مهن قد تختفي بسبب تطبيقات الذكاء الإصطناعي
حسب معرفتنا الحالية بالوظائف و الذكاء الاصطناعي.. تقريبا جميعها. ما ينذر بأزمة اجتماعية قادمة بسرعة، و المجتمع البشري ليس مستعدا بعد..
فهناك العديد من الوظائف التي ستختفي قريباً بشكل تام، والتي منها قد إختفت بالفعل في كثير من دول العالم التي تعتمد بشكل كبير على الذكاء الإصطناعي وتكنولوجيا الروبوتات وغيرها.
لنبدأ بالوظائف التي يمكن للذكاء الاصطناعي و أدوات الذكاء الاصطناعي اليوم أن يقوم بها.. معظم المعامل الحديثة تزخر بخطوط انتاجية تعتمد على الذكاء الاصطناعي في كثير من نواحيها، معظم محلات السوبرماركت الحديثة تستخدم شكلا أو أكثر من عمليات الأتمتة، و السيارات ذاتية القيادة لم تعد بأي شكل من الأشكال ضربا من ضروب الخيال العلمي..
هذه الوظائف تشكل نسبة كبيرة جدا من سوق الوظائف في المجتمع البشري المعاصر (حوالي 10% من الوظائف في الولايات المتحدة هي وظائف في مجال ال transportation). معظم هذه الوظائف تتطلب جهدا عضليا بشكل ما، لكن الذكاء الإصطناعي يتألق في الوظائف التي تتطلب جهدا فكريا أيضا..
معظم الوظائف المكتبية اليوم تتطلب شكلا أو أخر من أشكال الجهد الفكري. هذه الوظائف أسهل للأتمتة و الدافع الاقتصادي لأتمتتها أعلى إذ أن موظفيها يتمتعون بأجور أعلى.. أعمال السكرتارية و الأعمال الخدمية (كتنظيم حجوزات الفنادق و الطيران، و أعمال السمسرة و غيرها) لكن الأمر لا يتوقف عند هذه الأعمال البسيطة..
ولكن ما هو الذكاء الاصطناعي (AI) ؟
بأبسط العبارات، يشير مصطلح (AI) إلى الذكاء الاصطناعي وهي الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها. يتجلى الذكاء الاصطناعي في عدد من الأشكال. بعض هذه الأمثلة:
تستخدم روبوتات المحادثة الذكاء الاصطناعي لفهم مشكلات العملاء بشكل أسرع وتقديم إجابات أكثر كفاءة
القائمون على الذكاء الاصطناعي يستخدمونه لتحليل المعلومات الهامة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية لتحسين الجدولة
يمكن لمحركات التوصية تقديم توصيات مؤتمتة للبرامج التلفزيونية استنادًا إلى عادات المشاهدة للمستخدمين
إن الذكاء الاصطناعي يتعلق بالقدرة على التفكير الفائق وتحليل البيانات أكثر من تعلقه بشكل معين أو وظيفة معينة. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدم صورًا عن الروبوتات عالية الأداء الشبيهة بالإنسان التي تسيطر على العالم، إلا أنه لا يهدف إلى أن يحل محل البشر. إنه يهدف إلى تعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير. مما يجعله أصلاً ذا قيمة كبيرة من أصول الأعمال.
الذكاء الإصطناعي اليوم يمكنه قراءة عدد كبير من المستندات و تلخيصها أو إيجاد الإجابة عن أسئلة تخص محتوى هذه النصوص بدقة جيدة للغاية، ما يمكنه من القيام بطيف كبير من الوظائف المتعلقة بمهنة تقوم على البحث في المستندات و ربطها سوية كالمحاماة.. كذلك الأمر مع قدرات الترجمة الحاسوبية التي تتطور بسرعات رهيبة..
كل هذه التقنيات موجودة الآن.. لم أتحدث عن أبحاث الذكاء الإصطناعي التي تعمل بجد لفهم الكيمياء و تحقيق أهداف التشخيص الطبي (التي لم تعد بعيدة كما كانت من قبل)، و لا عن البرامج الذكية التي تقوم بكتابة برامج ذكية (لا تزال هذه المشكلة بعيدة التحقيق في الوقت الحالي)..
الذكاء الإصطناعي اليوم يماثل الأيام الأولى للحواسيب، الحواسيب الأولى كانت مخصصة الاستخدام و كان التعامل معها أمرا في غاية الصعوبة.. أما حواسيب اليوم فهي رخيصة و متوافرة في كل مكان.. الفضل يعود للكلمة السحرية "متعددة الاستخدامات general purpose"
الذكاء الإصطناعي متعدد الاستخدامات يعني أن الخوارزمية ذاتها يمكنها أن تتعلم أن تجهز لك القهوة التي تحبها بنفس الطريقة التي تتعلم بها إنتاج الفيديو أو معالجة الصور.. نفس الخوارزمية يمكنها أن تقوم بطيف واسع جدا من الأعمال (كما تستطيع أن تلعب على جهازك الحاسوبي نفسه الذي تقوم بمتابعة محاضراتك الجامعية من خلاله)..
لكن يمكن للآلة العمل 24 ساعة في اليوم، 365 يوما في السنة تقريبا دون توقف، دون أن تكلف أكثر من سعر الكهرباء اللازمة لتشغيلها، أما الموظف فهو بحاجة الحد الادنى للأجور.. حتى و إن كانت الآلة تعمل 10 مرات أبطأ من الموظف البشري، فإنها ستكون عشر مرات أكثر كفاءة إن استطاعت أن تكون ارخص 100 مرة.. أضف إلى ذلك أنها لا تتعب و لا تنام و لا تتحدث مع الموظفة الجميلة في المكتب المجاور و لا تأخذ إجازة لأن ابنتها مرضت.. لا يجب أن تكون الآلة كاملة لتأخذ مكان الموظف البشري، يكفي أن تقدم أداءاً مماثلاً للبشر.
تطبيق الذكاء الإصطناعي اليوم يمكن أن ينهي أكثر من ثلث الوظائف في المجتمع (وظائف قطاعات المواصلات و الخدمات و جزء كبير من الوظائف المكتبية). معدلات البطالة لم تتجاوز ال 25% أثناء واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية العالمية (الكساد الكبير في أمريكا).
أعود للإجابة عن السؤال الأساسي،
ما هي الوظائف التي يمكن اسنادها للذكاء الإصطناعي بدلا من الإنسان؟
- الوظائف التكرارية التي لا تتطلب جهدا فكريا، فصل الطرود في مراكز البريد و إجراء المعاملات البنكية و تداول البورصة مثلا، هذه الوظائف تم أتمتة معظمها بالفعل
- الوظائف التي تتضمن جهدا فكريا ضمن حدود معينة واضحة، كقيادة مركبة من النقطة A إلى النقطة B بسلام، ترجمة النصوص أو تلخيصها، تقديم ملخصات الفيديو، تشخيص أمراض محددة اعتمادا على صور شعاعية محددة.. الخ، هذه الوظائف مستها يد الآلة منذ زمن و يمكن القول أن الانحسار البشري في هذه المجالات مقبل في السنوات القليلة القادمة
- الوظائف التي تتضمن تنوعا كبيرا في المهارات العضلية، لكنها لا تحتاج الكثير من المجهود الفكري. كوظيفة الشيف في المطعم، النادل، خدم المنازل، bartender و غيرها. هذه الوظائف على الرغم من سهولتها للكائن البشري إلا أنها تشكل تحديا للذكاء الإصطناعي اليوم نتيجة لتنوعها. بكل الأحوال، تقنيات الذكاء الإصطناعي تتقدم بسرعة شديدة في هذا المجال و يمكن القول أننا سنشهد بداية الانحسار البشري فيها في فترة لا تزيد عن عشر سنوات
- الوظائف "الإبداعية" - على الرغم من تحفظي على هذا المفهوم، إذ لا وجود لاقتصاد قائم على الشعر و الموسيقى بالرغم من رومنسية الفكرة- كتعديل الصور و عزف الموسيقى و تأليف الشعر.. معظم جوانب هذه الوظائف يمكن اتتمتها اليوم بسهولة.
(صورة تظهر قدرة الذكاء الإصطناعي على تحويل الأحصنة إلى حمير وحشية، التفاح إلى برتقال و العكس، مصدر الصورة: Unpaired Image-to-Image Translation using Cycle-Consistent Adversarial Networks).
(صورة تظهر قدرة الذكاء الإصطناعي على تحويل الصور الصيفية إلى شتوية و العكس، مصدر الصورة: Unpaired Image-to-Image Translation using Cycle-Consistent Adversarial Networks)
أهم الوظائف التي سيسيطر عليها الذكاء الاصطناعي :
- التسويق التقليدي
- الَكُتاب الورقيين
- السائق
- موظفين الإستقبال
- ساعي البريد
- المدقق الإملائي
- أخصائي الكمبيوتر
- محلل أبحاث السوق
- مندوب مبيعات
- وسيط المبيعات
وظائف حصرا للبشر ويصعب على الذكاء الاصطناعي عملها
أما بخصوص الإجابة عن ماهي الوظائف صعبة الأتمتة والتي لن يتمكن الذكاء الاصطناعي من اجادتها فهي إما:
- وظائف تعتمد على الجانب البشري فيها بشكل أساسي، كرعاية الأطفال و المسنين، و جزء من جانب العمل في المجال الصحي كالأطباء و الممرضين و المعالجين النفسيين، ووظائف المجال التربوي كالمعلمين و المشرفين التربويين و مشرفي رياض الأطفال.. لا أقول أن هذه الوظائف مستحيلة للأتمتة، ما أقوله أن هذه الوظائف ستتغير جذريا لتصبح أكثر اعتمادا على الجانب البشري فيها من اعتمادها على الجانب التطبيقي (إلى أن نتمكن من صناعة آلات يمكننا التعامل معها كبشر بأريحية).
- وظائف تشمل طيفا واسعا من المهارات الفكرية المعقدة، كالبحث العلمي في مجال الرياضيات و علم الحاسوب مثلا.. على الرغم من وجود الكثير من المشاكل مستحيلة الحل في هذا المجال (باستخدام أي نظام حاسوبي، بما فيها الدماغ البشري، نظرية التوقف مثلا)، إلا أن المجال سيستفيد بشدة من الذكاء الإصطناعي. لكن ليس إلى الدرجة التي تلغي بها وظيفة الباحث البشري (وصول الذكاء الإصطناعي إلى هذه الدرجة هو تعريف ال technological singularity، نقطة في التاريخ البشري لا يمكن التوقع بكيفية نمو التكنولوجيا بعدها)
- وظائف لا يرغب المجتمع بأتمتتها، كوظائف السياسيين مثلا التي يمكن أتمتة معظمها باستخدام برنامج لا يفعل شيئا و كرسي و عبوة من الصمغ.. هذه الوظائف محمية لأن معظم أفراد المجتمع في الوقت الحالي يرفضون فكرة أن تحكمهم "خوارزمية" لا يعرفون عنها شيئا، و لأن معظم صناع القرار يرفضون فكرة أن يفقدو النفوذ بشكل مطلق..
للمرة الأولى في التاريخ البشري فإن التقدم التكنولوجي يلغي الوظائف بمعدل اعلى من خلقها، ما ينذر بتفاقم الفجوة بين الأغنياء و الفقراء بمعدلات غير مسبوقة، و بمعدلات بطالة بنتائج كارثية اقتصاديا، حتى و إن تأخر الذكاء متعدد الاستخدمات.. يد الأتمتة يمكنها أن تطال معظم وظائف المجتمع.. والمجتمع ليس مستعدا بعد..
مقالات أخرى قد تهمّك :
https://bahloultechniq.blogspot.com/